الحديث هنا هو عن ما يسمى بالتأمين التعاوني أو التكافلي هل له وجود في أرض الواقع أم أنه لا يختلف عن التأمين التجاري، وينبغي التنبيه إلى أن مصطلح التأمين التعاوني له تطبيقات متعددة، وهذا ما يفسر تباين الباحثين في بيان حكمه، وتحرير مسائله، وإن أهم قضية في بحث هذا الموضوع هي تحقيق المناط في الواقع التطبيقي لعقد التأمين التعاوني، وأثر الشروط المقارنة له، حتى يتبين هل هذه الصورة من التأمين التعاوني في حقيقتها وطبيعتها الفقهية عقد معاوضة، أم عقد تبرع؟ فإذا كان العقد معاوضة فإن الحكم عليه هو الحكم على التأمين التجاري، فيكون عقد معاوضة فيه غرر فاحش محرم، وأما إذا كان العقد عقد تبرع سواء كان تبرعاً محضاً، أو تبرعاً متبادلاً مبناه على التكافل والتعاون، فهو عقد تبرع لايؤثر فيه الغرر ونحوه مما يؤثر في عقود المعاوضات، ونجد في الواقع صوراً لايتبين بدقة هل هي عقد معاوضة أو عقد تبرع، أو أنها عقد تبرع غير محض وفيه شائبة معاوضة، أو أنها عقد معاوضة وفيها نوع تبرع.
إن النص القرآني: (وتعاونوا على البر والتقوى) (المائدة:2) يدعو المسلم إلى التعاون مع إخوانه، ومشاركتهم في تخفيف آلامهم، وهذا متحقق في التأمين التعاوني في حال التبرع الذي يقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب ولا يلزم منه رجوع شيء للمشتركين في التأمين، وفي حديث الأشعريين ما يؤيد ذلك فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم).(البخاري:2486) و(مسلم:2505).
إن فعل الأشعريين تعاون جماعي بين الأقرباء لدفع الحاجة عن أفرادهم وهو تبرع لا إلزام فيه ولا تقدير، وهذه صورة مثالية للتكافل والتعاون، حيث يجمعون في وقت الكوارث ما عند كل منهم من قليل أو كثير -وبعضهم ربما لا يملك شيئاً مطلقا- ثم يكونون في مجموع ذلك سواء، ولما كان قصد التعاون والبر –وليس الربح الذاتي والتجارة- وراء فعل الأشعريين لم يثر في الذهن كلام عن الغرر والربا والمقامرة مع أنه مقطوع به أن بعضهم يقدم القليل ويحصل على الكثير بالنسبة لما قدمه، فدل ذلك على أن قصد التعاون والبر يغتفر معه مالا يغتفر في المعاوضات.
وفي بعض صور (صندوق العائلة) في هذا العصر تجسيد لهذا المعنى وتطبيق له مع أهمية تطوير آلياته، ومجالاته ليحقق أهدافه بصورة أكثر فاعلية. ونحن بحاجة-في طل كثرة شركات التأمين التجارية والربحية- إلى مؤسسات غير ربحية لتقدم لنا بديلاً إسلامياً لمفهوم التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع في هذا العصر وفق الأسس التكافلية، والاستثمارية التي تضمن استمراريته ونجاحه ووفق مفهوم التأمين التعاوني المركب.
كما أننا بحاجة إلى تفعيل وسائل التكافل في المجتمع وذلك بإيجاد أوقاف للمراكز الصحية، والحوادث، والكوارث ونحوها، مع ترسيخ مبدأ التوكل على الله والصبر على أقدار الله.
* الكاتب عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالرياض
* نقلاً عن جريدة "الاقتصادية" السعودية