الحمد لله الذي أوجب الإنصاف مع الخصوم والأعداء فقال جل جلاله "ياآيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" "وألزم الحكام وولاة الأمور بالحكم بالعدل فقال عز وجل "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" والصلاة والسلام على أشرف خلق الله الذي حذر القضاة من الجور في الحكم فقال "إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى الله عنه ولزمه الشيطان" وصنّف القضاة إلى ثلاثة أصناف فقال عليه الصلاة والسلام "القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار" وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- أيها الرئيس:
هذه الرسالة الرابعة التي أخطها إليكم وللتذكير فقد أرسلت الرسالة الأولى بتاريخ 31 جويلية 1999 من وراء قضبان سجن البليدة، والثانية بتاريخ 08 أوت 1999 من نفس السجن، الظالمي أهله، وطرحت فيها الطريق الأمثل للخروج من الأزمة، وقلع جذورها من الأساس بعيدا عن الحلول الزائفة الترقيعية التي لا نجني منها إلا الانتكاسات والخيبة وضياع الفرص السانحة، أما الرسالة الثالثة بتاريخ 01 جويلية 2007 وتتمثل في نص المبادرة السياسية التي نراها كفيلة بالخروج من الأزمة السياسية وما تولد عليها من أزمات فرعية وقلت أنها صالحة للإثراء والتعديل من قبل السلطة والمعارضة ومن طرفكم بحكم أنكم تمثلون الواجهة الرسمية للنظام.
- وبما أنني قصرت قلمي على خدمة ما أراه حقا وصوبا مرددا قول الشاعر:
قلمي لسان ثلاث بفؤادي * ديني ووجداني وحب بلادي
فها أنذا أخط إليكم نص الرسالة الرابعة بحكم أنكم القاضي الأول في البلاد وفي الحديث "من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين" وعشية الاحتفال بالذكرى 54 لاندلاع ثورة أول نوفمبر التي هدفت لتحرير البلاد والعباد.
أيها الرئيس،
أصدقك القول أنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبا وبلغ الظلم مداه، فهذه المرة الثالثة التي أمنع فيها من حقي الإنساني في ممارسة العمل السياسي أو المشاركة فيه، تارة باسم الممنوعات العشر وتارة باسم قانون ميثاق السلم والمصالحة والأجدر أن يوصف بميثاق الغش والمماكرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "المكر والخديعة في النار" هذا الميثاق الذي كّرس مبدأ المغالطة وقلب الحقائق، فجعل من الجلاد ضحية يستحق الحصانة وتعليق النياشين وجعل من الضحية مجرما يستحق الإدانة والتجريم، والإبعاد والإقصاء "أفنجعل المسلمين كالمجرمين، مالكم كيف تحكمون" ؟؟! وهكذا نرى أن ميثاق السلم والمصلحة قنّن للظلم بطريقة رسمية ولست الآن بصدد كشف جميع عيوب وعوار هذا القانون من الناحية الشرعية والسياسية والدستورية ومخالفته للمواثيق الدولية التي وقعت عليها الجزائر.
- أيها الرئيس،
لا يخفى عليك أن شرائح كثيرة من أبناء الجبهة الإسلامية للإنقاذ –قيادات وإطارات وقاعدة ومتعاطفين – قد حرموا من حقوقهم السياسية والمدنية والاجتماعية وهذا ظلم ما بعده ظلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "الظلم ظلمات يوم القيامة"، وعندما سئل وزير الداخلية عن سبب الإقصاء والمنع الذي مارسه على أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، قال أن المادة 26 من قانون السلم والمصالحة هي التي تمنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية!! وكأنه قبل صدور قانون المصالحة هذا بتاريخ 27 فبراير 2006 كان يسمح لأنصار الجبهة الإسلامية بالترشح للمواعيد الانتخابية منذ الانقلاب على الإرادة الشعبية في 1992؟!! متجاهلا ما قام به من ممارسة الإقصاء والمنع قبل صدور القانون ذاته كما فعل في الانتخابات التشريعية 2001 ومحليات 2002، ألم يصرح منذ أن تولى وزارة الداخلية 1999 أكثر من مرة أنه مادام على رأس وزارة الداخلية فلن يوقع اعتماد حزب جديد للفيس؟!! وإن مقص المنع والإقصاء سيشمل كل من له صلة بالجبهة الإسلامية للإنقاذ سواء ترشحوا أحرارا أو رشحتهم أحزاب سياسية معتمدة أو تخلوا عن مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ وانضموا إلى أحزاب أخرى، وإن كل حزب يضم في صفوفه أعضاء من الجبهة الإسلامية للإنقاذ –قادة أو لإطارات أو قاعدة أو متعاطفين- لن يعتمد أصلا مما يدل دلالة قاطعة على أن هناك سبق إصرار وترصد وإرادة سياسية على منع عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ من ممارسة حقوقهم السياسية قبل صدور ميثاق السلم والمصالحة وغاية ما في الأمر أن تلك الإرادة السياسية الظالمة أصبحت مقننة في ميثاق الغش والمماكرة، وهذا الموقف من هذا الوزير المتغطرس الذي وصفه بعض نواب جبهة التحرير الوطني من تحت قبة البرلمان بالمجرم، جعل من قضية الجبهة الإسلامية قضية شخصية، والحاصل أيها الرئيس أن المنع من الحقوق السياسية والمدنية والإقصاء والتهميش الاجتماعي كان يمارس ميدانيا قبل صدور القانون ذاته، فلا داعي للدجل والمخادعة، ألم يأمر وزيركم للداخلية الولاة مؤخرا بإقصاء كل من له صلة بالجبهة الإسلامية من بعيد أو قريب حتى ولو لم يصدر في حقه حكم قضائي منذ انقلاب جانفي 1992 وأنه لا يريد أن يشم رائحة أحد منهم ومارس الإقصاء الجماعي القائم على الهوى والانتقاء مما أثار المشاكل لدى جميع الأحزاب.
أيها الرئيس:
اعلم أن المادة 26 من قانون "ميثاق السلم والمصالحة" فاقد للشرعية على أكثر من صعيد شرعي وسياسي ودستوري وإنساني".
أولا: يصادر الحريات العامة: لا شك أن الحرية السياسية من لب الحريات العامة لأنها أداة فعالة في إصلاح فساد الحكم والحكام وبها يتمكن أي شعب رقابة حكامه والحد من فسادهم وطغيانهم ومقاومة ظلمهم إذا لزم الأمر، وإذا لم ينفع معهم النصح والإرشاد والنقد السياسي الوقائي والحرية السياسية وسيلة للتعبير عن الذات الإنسانية فبغيرها يصبح الإنسان أشبه بالحيوان المحصور في عالم المادة والشهوة والحاكم الذي يصادرها ويمنع المواطنين من حقهم فيها يوصف بالاستبداد والطغيان ويعرض الدولة للكوارث ولذلك عدّ بعض أساطين الفكر السياسي أن هؤلاء يعتبرون خصوم للدولة ووحوشا ويجرون عليها الكوارث المحققة، حتى أن المفكر السياسي توكفيل يغلب الغاية على الوسيلة قائلا "إني أحب بكل شعوري الحرية الشرعية واحترام القانون ولكني لا أحب الديمقراطية" والإسلام يرفض الطغيان والاستبداد، ألم يقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه" لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا".
ولذلك حذر أهل الفكر من التنازل عن هذه الحرية التي هي شقيقة الحياة ذاتها، قال جان جاك روسو "إن تنازل الشخص عن حريته هو تنازل عن صفته كإنسان، وكذلك عن حقوقه الإنسانية وواجباته"، وقال الشيخ عبد الحميد بن باديس "فحق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من الحياة هو مقدار ما عنده من حرية، والمعتدي عليه في شيء من حريته كالمعتدي عليه في شئ من حياته، وما أرسل الله من رسل وما شرع لهم الشرع إلا ليحيوا أحرارا".
-ثانيا:، مصادرة الحق في المشاركة السياسية: إن أي قانون أو دستور يتجاهل هذا الحق أو يثقله بقيود تذهب بأصله يعتبر دستورا دكتاتوريا يقنن للظلم السياسي وكل من يحاول صرف الجماهير عن الاشتغال بالعمل السياسي والتزهيد فيه وكأنه رجس من عمل الشيطان ويشجع إسلام الدروشة والخنوع وتدجين الشعوب إنما يقترف جريمة بحق الإسلام الذي أنزل السياسة والاشتغال بها مكانة هامة وأقوال فطاحلة العلماء في مكانة السياسية لا يحويها مجلد ضخم لكثرتها، قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى" ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم يدرسون"، الرباني الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسية، وقال الشيخ عبد الحميد بن باديس "وكلامنا اليوم في العلم والسياسة معا وقد يرى بعضهم أن هذا الباب صعب الدخول لأنهم تعودوا من العلماء الاقتصار على العلم والابتعاد عن مسالك السياسة مع أنه لا بد من الجمع بين السياسة والعلم ولا ينهض العلم والدين حق النهوض إلا أذا نهضت السياسة" وقال الشخ أبويعلى الزواوي "السياسة عندنا معشر المسلمين عموما والعلماء خصوصا هي خلاف ما عند الإفرنج وعندنا عبارة عن تدبير الأمور.... وعليه فمن أحق وأجدر بالسياسة من العلماء الحذاق الفطن ؟ " وقال الشيخ الإبراهيمي"إن أعلى معاني السياسة عند الحاكمين هو تدبير المماليك بالقانون والنظام وحياطة الشعوب بالإنصاف والإحسان فإذا نزلوا بها صارت إلى معنى التحايل على الضعيف ليؤكل وقتل مقوماته ليهضم والكيد للمستيقظ حتى ينام والهدهدة للنائم حتى لا يستيقظ"
ولذلك كان المسلمون الأوائل والسلف الصالح يمارسون العمل السياسي حتى في المسجد لأن المسجد ليس كنيسة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية"وكانت مواضع الأئمة ومجامع الأمة هي المساجد فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسس مسجده المبارك على التقوى ففيه الصلاة والقرآن والذكر وتعليم العلم والخطب وفيه السياسة وعقد الألوية والرايات وتأمر الأمراء وتعريف العرفاء وفيه يجتمع المسلمون عنده لما أهمهم من أمر دينهم ودنياهم" ولكن الحكام الظلمة أقصوا المسلمين من العمل السياسي سواء داخل المساجد أو مؤسسات الدولة ؟!!!.
ولاشك عند العقلاء الألباء أن المقصد من الاشتغال بالعمل السياسي المشاركة فيه هو خدمة الصالح العام وإيصال الخير إليه.