البطالة Unemployement ظاهرة معقدة، وتعريفها وتحديدها يساعدان على تفهم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها.
تعزى البطالة إلى أسباب كثيرة، ومن ثم اختلفت التعريفات باختلاف الجهات المعنية بهذه الظاهرة. وقد أوصى المؤتمر الدولي الثامن لإحصائيي العمل بالتعريف الآتي للبطالة:
«الأشخاص الذين هم في حالة بطالة يتكونون من الأشخاص الذين فوق سن معينة، وفي يوم معين أو أسبوع معين، يدخلون في أحد الأنماط الآتية:
أ ـ العمال الراغبون في العمل الذين انتهت عقودهم، أو أوقفت مؤقتاً وأصبحوا من دون وظائف، ويبحثون عن العمل لقاء أجر أو ربح.
ب ـ الأشخاص الراغبون في العمل باستثناء المصابين بوعكات بسيطة في مدة معينة، ويبحثون عن العمل لقاء أجر أو ربح من الذين لم يسبق لهم العمل، أو تكون مهاراتهم العملية دون مستوى العاملين.
ج ـ الذين لم يظفروا بعد بوظائف، وإن كانوا قد أعدوا الترتيبات للبدء في وظائف جديدة في المستقبل.
د ـ الأشخاص الذين تكون أعمالهم في حالة توقف وقتي أو غير محدود من دون أجر».
إن هذا التعريف يكشف بعداً واحداً للبطالة، ولا يتناول البعد الآخر للتعطل في أوساط المشتغلين، وهو الذي اصطلح على تسميته بالبطالة الجزئية المنتشرة في البلدان النامية. لذلك اقترح المؤتمر التاسع لإحصائيي العمل التعريف الآتي للبطالة الجزئية:
«توجد البطالة الجزئية عندما يرغب الأشخاص الذين لا يعملون كل الوقت في أداء عمل أكثر مما يؤدونه بالفعل ويكونون قادرين على ذلك، أو عندما يمكن زيادة دخل العاملين وإنتاجيتهم لو حُسّنت أحوال عملهم أو حسن إنتاجهم أو نقلوا إلى مهن أخرى تُلحظ فيها مهاراتهم الفنية».
المنظور التاريخي
البطالة بوصفها ظاهرة اجتماعية خطرة برزت منذ عصر الثورة الصناعية التي انتشرت في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، في إنكلترة، وبعد ذلك بقليل في دول البر الأوربي ودول أمريكة الشمالية. لقد أحدثت الثورة الصناعية تحولاً جذرياً في الإنتاج، إذ انتقلت العمليات الإنتاجية التي كانت تتم يدوياً إلى الآلة. ومنذ ذلك التاريخ بدأ يتكون جيش من العاطلين عن العمل.
مسّ انتشار الآلة قبل كل شيء، الحرفيين والصناع المهنيين وعمال الصناعة المنزلية، ففقد هؤلاء شيئاً فشيئاً ورشاتهم بأدواتها البسيطة تحت ضغط المزاحمة المتزايدة من جانب المؤسسات الممكننة، وأصبحوا بلا مورد رزق، وتحولوا إلى عمال مصانع أو انضموا إلى جيش العمل الاحتياطي المتزايد العدد.
ومع تسرب الرأسمالية إلى الزراعة أيضاً، فقد المزارعون الصلة بملكية وسائل الإنتاج، وأرغموا، إما على التحول إلى عمال زراعيين مأجورين، وإما على مغادرة أماكنهم المألوفة والذهاب إلى المدينة، والعمل بالأجرة في مختلف المؤسسات والمشروعات، ومع ذلك يظل قسم منهم في عداد جيش العاطلين عن العمل.
وقد تكيف حجم البطالة في المراحل اللاحقة لتطور الاقتصاد الرأسمالي إلى حد كبير مع الدورات الاقتصادية[ر]. وهكذا يتطور الإنتاج الرأسمالي، لا بالانسجام، بل بتقلبات فجائية يترتب عليها، ولاسيما في مرحلة الأزمة، تبديد الموارد الإنتاجية للمجتمع تبديداً يتمثل في تعطيل جزء كبير من الأيدي العاملة وأدوات الإنتاج. ففي أثناء الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929-1932م وهي أقسى أزمة شهدها الاقتصاد الرأسمالي، بلغت نسبة المتعطلين عن العمل فيها (22%) من القوى العاملة المسجلة في بريطانية و(27%) في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أدت التطورات اللاحقة في بنية الأنظمة الرأسمالية إلى تجديد نفسها واستطاعت بذلك تفادي الأزمات الدورية باستخدام آليات متعددة.
كذلك في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية عانى الاقتصاد الرأسمالي وطأة الأزمة الاقتصادية مرات عدة. وفي المرحلة الراهنة يعاني الاقتصاد الرأسمالي كساداً تضخمياً Stagnation، وقد طبعت هذه المرحلة الاقتصاديات الرأسمالية بطابعها المتميز، حيث الكساد يرافقه التضخم، ويقوي الميل إلى الاحتفاظ بحدود معينة من البطالة التي تسهل على المستثمرين تأخير ارتفاع معدلات الأجور بحجة أن انخفاض ريعية الإنتاج يضطرها إلى تقليص العمالة وتجميد الأجور، ومِنْ ثَمَّ لا يمكن فصل مشكلة البطالة عن مشكلة التضخم.
وستظل المشكلة الرئيسية أمام الاقتصاديين الرأسماليين المعاصرين، كما قال الاقتصادي بول سام ولسون، «تكمن في إيجاد ذلك التوافق المفقود في اقتصاد بلد ما بين العمالة الكاملة واستقرار الأسعار». ويرى الكثير من الاقتصاديين الغربيين ومنهم كالدور، وهانسن، وسيمويلسن، وفينتر أوب، وجوان روبنسون وآخرون، أن التضخم أكثر الوسائل صلاحية للحفاظ على التوازن بين الأجور والأرباح الذي يلبي بوجه «نموذجي» حاجات الاستثمار والنمو.